طالب به الخبراء فى ندوة «الأهرام»: مجلس أعلى لتنمية الموارد البشرية وإصلاح التعليم الفنى

الموارد البشرية من أهم ما تتميز به مصر، وفى نفس الوقت من كبرى مشاكلها بسبب عدم مسايرة برامج التعليم لمتطلبات سوق العمل

وهو ما أوجد أغرب مشكلة على الاطلاق فالقطاع الصناعى يشكو طوال الوقت من ندرة العمالة الفنية بجميع أنواعها وعلى الجانب الآخر هناك بطالة متزايدة خاصة لدى حملة المؤهلات العليا وفوق المتوسطة... هذا التحدى سيتزايد مع طفرة الاستثمارات المتوقعة عقب مؤتمر شرم الشيخ مارس المقبل فى ظل ما سيشهده المؤتمر من مشروعات ضخمة كل منها سيوفر عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة.
هذه المعضلة كانت محور ندوة القسم الاقتصادى بالاهرام ضمن سلسلة ندوات تحضيرية ينظمها الاهرام استعدادا لمؤتمر شرم الشيخ، حيث شارك فيها الكاتبة الصحفية امينة شفيق، والدكتور صلاح هاشم استاذ التنمية والتخطيط بجامعة الفيوم والمستشار ايمن الجندى مدير عام الاتحاد العربى لتنمية الموارد البشرية.
كيف نوفر للمستثمرين الموارد البشرية التى يبحثون عنها وكيف يمكن تنمية مهاراتها وخبراتها كى تتواكب مع تغيرات سوق العمل السريعة؟
ــ أمينة شفيق: لابد عند وضع خطط تنمية القوة البشرية ان نفرق بين احتياجات الاعمال التى تعتمد على القوة العضلية والاعمال التى تعتمد على المهارات الذهنية خاصة مع ما نشهده من تطور سريع فى تكنولوجيا الانتاج ما يقلل التدخل البشرى ايضا لابد ان تراعى تلك الخطط تغير علاقة الانسان بالآلة فقديما كان الانسان يقوم بجهد كبير فى تشغيل ومتابعة الماكينات الآن الامر يقتصر على مجرد الاشراف دون تدخل مباشر فى عمليات الانتاج، وهذا التغير يزداد تعقيدا يوما بعد آخر. ايضا فإن التقنيات الحديثة قربت بين العامل العضلى والعامل الذهني، وأدت الى تلاشى الفروق الكبيرة بين النساء والرجال.
لماذا تراجع دور القطاع العام فى تنمية الموارد البشرية؟
ــ شفيق: القطاع العام فى الماضى كان ينجح فى ايجاد العمالة التى يريدها ويؤهلها ويقوم بتدريبها، والآن هذا الدور توقف بسبب ما يعانيه القطاع من مشكلات وفى نفس الوقت لا تقوم مؤسسات القطاع الخاص بهذا الدور بل تحتاج الى عمالة مدربة جاهزة، وهو الامر الذى يحتاج وقفة فمن المهم ان تقوم مؤسسات القطاع الخاص بدور وطنى فى تنمية وتدريب الكوادر الى جانب مؤسسات الدولة للارتقاء بعنصر الموارد البشرية.
إذن ما هى خطوات علاج المشكلة؟
ــ أمينة شفيق: يجب أولا أن ننشئ مجلسا اعلى للتدريب الى جانب وضع استراتيجية مع تبنى شعار التدريب مدى الحياة لكل انسان فى مصر وتكون سياسة عامة للدولة، كما يجب على وزارة التربية والتعليم ان تعيد النظر فى نظام التعليم الصناعى والزراعى فهذا النظام من اهم المصادر التى توفر موارد بشرية فنية ذات كفاءة لكن اهمال الدولة لهذا النوع من التعليم ادى الى تراجع المستوى الفنى للخريجين فى مجالات كثيرة الى جانب زيادة الاحتياج الى التدريب اللاحق والذى يكبد المؤسسات سواء القطاع العام او الخاص مصروفات يمكن توفيره مشيرة الى ان اعادة النظر فى وضع المدارس الثانوية الزراعية تحديدا، سوف يسهم فى تنمية المرأة خاصة فى الريف وحل مشكلة البطالة .
ايضا من خطوات الحل ان نسرع بحصر المشروعات ومعرفة احتياجاتنا من العمالة حتى نستطيع ان نصنع منظومة لاعداد الكوادر بصورة تتناسب مع احتياجات المشروعات الجديدة فمثلا اذا كان هناك مصنع لانتاج ادوات الطاقة المتجددة فان الوقت الذى يستغرقه بناء المصنع يمكن خلاله تدريب ما يحتاجه من عمالة فنية لازمة لتشغيله وهكذا.
ماذا عن التجارب السابقة لتنمية الموارد البشرية مثل برنامج التدريب من أجل التشغيل؟
ــ شفيق: يجب الاستفادة من التجارب المصرية السابقة فهى قابلة للتطوير خلال مدة قصيرة فلا نستطيع ان ننكر الجهد المصرى والخبرات الموجودة فى سوق العمل والتى قدمت نماذج جيدة للتدريب يمكن الاستفادة بها بعد تطويرها.
ما هى أبعاد أزمة التنمية البشرية فى مصر؟
ــ الدكتور صلاح هاشم: من الضرورى التفرقة بين مصطلحين مهمين، وهما التنمية البشرية، وتنمية الموارد البشرية»، فالأولى ترتبط بتنمية العامل، أما الثانية فتنطبق على المواطن فهى اشمل.
كما ان معدل البطالة فى مصر 13.4% والمفارقة الخطيرة ان الدراسات تقول انه كلما زاد معدل التعليم فى مصر ارتفع معدل البطالة وهذه قضية مهمة لابد من التركيز عليها بشكل اساسي، فالبطالة بمصر ترتفع بمتوسط 22% بين مؤهلات التعليم المتوسط وتزيد اكثر فى التعليم العالى والدكتوراه، فعندما نكون فى دولة يعانى فيها حاصلو الدكتوراه والماجستير من البطالة فنحن هنا امام كارثة كبيرة لا يمكن التغاضى عنها.
ايضا فان نسبة البطالة تزداد لـ80% بين خريجى المدارس الزراعية والتجارية كما ان خريجى كليات الزراعة لا يجدون عملا ايضا، وبالمقارنة عندنا بطالة اكبر بين خريجى كليات التجارة حيث ينقسمون الى انتظام وانتساب وتعليم مفتوح، فى العام الواحد يتخرج فى الكلية الواحدة نحو 12 الف عاطل، والدراسات تؤكد ان البطالة تزداد بين خريجى الكليات النظرية، علما بان الجامعات بها عشرات الكليات النظرية وكليتيان او ثلاث فقط عملية، ولذلك اذا أردت أن تنظر الى مستقبل بلد فى التنمية انظر الى اقسام الادبى والعلمي، فتجد ان 75% من الطلاب يدخلون ادبي، فمصر تجاوزت المعدلات العالمية فى دخول الكليات النظرية.
لكن ما أسباب تفاقم الوضع فى الفترة الأخيرة؟
ــ بيانات الاتحاد العام لعمال مصر تكشف عن اغلاق اكثر من 8 آلاف مصنع عقب ثورة 25 يناير 2011، ومركز بصيرة لاستطلاعات الرأى كشف ايضا عن اغلاق نحو 4 آلاف مصنع، وهناك احصائية تؤكد ان هناك أكثر من مليونى ورشة مغلقة. واعتقد ان اعداد الكوادر مسئولية الدولة، فهى المسئولة عن توفير عمالة للقطاع الخاص، خاصة ان كل المحافظات لديها مراكز للتدريب للاسف كثير منها لا يعمل ومغلق وهذا امر خطير فعندما تغلق مركز لمدة عشر سنوات فأنت بذلك تقوم بتدميره لانه يفقد صلاحيته تكنولوجيا.
اذن كيف ننجح؟
ــ هاشم: عند الحديث عن ملف التنمية والتدريب لابد من الاهتمام بثلاثة مستويات اولها مرحلة الطفولة حيث يوجد برنامج متعلق بكيفية نشأة طفل يشهد الانتماء والمواطنة نظرا لان الطفل لديه استعداد للتعلم لا يوجد عند الكبير ، والشاب لديه طاقة والشيخ والمسن لديه خبرة فالدولة لابد من ان تخلق برنامجا تعليميا جيدا منذ الطفولة ليصبح الشاب عنده طاقة ايجابية واستعداد والطاقة تحتاج استغلالا والخبرة تحتاج استثمارا، على ان يستمر البرنامج حتى بعد بلوغ الشخص سن التقاعد.ونحن» نريد وضع توصيات قريبة جدا وسهلة للتنفيذ فالدولة تملك اكثر من 800 مركز تدريب منتشرة فى جميع انحاء الجمهورية ولكن للاسف الدولة فشلت بشكل كبير فى ادارة منظومة التدريب المهنى و فى نشر ثقافة التدريب لذلك لابد للدولة ان تتبنى استراتيجية التدريب وتعترف أن التدريب حق لكل مواطن.
ما هى الإجراءات المطلوبة لتعزيز مستويات التشغيل؟
ــ هاشم: الدولة يجب ان تشجع الشركات العاملة فى مجال التدريب وان تضع لها استراتيجية تعمل من خلالها وان تقوم بتمويلها والرقابة عليها ومحاسبتها وان يكون التمويل عن طريق الضرائب التى تأخذها من العاملين بالمصانع والشركات والمؤسسات ولكن فى الحقيقة ان الدولة فى حالتها الآن مترهلة وغير مؤهلة للتدريب، فهى بحاجة اولا الى أن تدرب جهازها الادارى الضعيف وغير المؤهل، ولذلك لابد من اسناد مهمة التدريب الى شركات متخصصة، ايضا لابد من تبنى معايير دولية للتدريب وجودة العامل ولذلك لابد من تقديم توصية بالمؤتمر الاقتصادى تؤكد على كل المصانع ان تنظم دورات تدريبية وفقا للمعايير الدولية مقابل خصم جزء من الضرائب على ان يكون المصنع غير ملزم بتوفير وظائف للمتدربين ولكن يقوم بتدريبهم فقط.
هل توجد رؤية للتدريب المنشود؟
ــ أيمن الجندى: يجب ان تلاحق مصر المفاهيم الاقتصادية فى العالم، فليس لدينا اى رؤية لاستغلال الموارد البشرية فى عمليات التنمية الاقتصادية، فالدول الكبرى تهتم بتنمية رأس المال الفكرى ورأس المال البشري، الى جانب سمات القيادة، اما فى مصر فلا نفرق بين التدريب المهنى والاداري، ونحن احوج الى الجانب الادارى لانه هو الذى ينظم الجانب المهني. فلدينا كيان ادارى يعمل به 7.2 مليون موظف يخدم 90 مليون مواطن أى ان كل موظف فى الهيكل الادارى يخدم 13 مواطنا، فى حين ان اعلى معدل بالدول المتقدمة يبلغ موظف لخدمة 100 مواطن، ولذلك لابد ان تكون البداية تحديث وتطوير ورفع كفاءة الهيكل الاداري، ولنجاح تطوير الهيكل الادارى لابد من وجود رؤية واضحة وعملية واستراتيجيات فعالة، خاصة بمجال التعليم والتدريب حيث ان التدريب هو الذى جعل حجم الهيكل الادارى باليابان 600 الف موظف فقط.
كيف نحقق هذه الرؤية؟
ــ الجندى: يجب ان نكون من أنصار طرح الحلول وليس طرح المشاكل، ولذلك نحن نحتاج الى تدريب الهيكل الادارى وهو 7 ملايين موظف ولذلك لابد من اعداد مراكز تدريب، ولضمان الحرفية والمهنية ان يمول كل منها ذاتيا، من خلال تسعير بعض الحصص التدريبية بحيث تكون خدمات المركز مدفوعة الاجر كى يستمر معتمدا على التمويل الذاتى لنضمن بقاء الكيان، ايضا يجب ان نستفيد مما يحدث فى الخارج حيث يتم تدريب العاملين مرتين فى العام على الاقل لانهم يؤمنون ان كفاءة العاملين تنخفض بشكل كبير بدون هذا التدريب، لذلك لابد ان يفرض على كل القطاعات والوزارات تدريب العاملين بها فى مراكز معتمدة. اقتصاد العالم يقوم على المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وفى الخارج ايضا هناك اقتصاد نحن بحاجة اليه وهو اقتصاد العقل او اقتصاد البرمجيات مثل برامج الفيس بوك والواتساب فنحن بحاجة الى اقتصاد العقل وتكنولوجيا العقل وهذا غير متوفر لدينا فى مصر حاليا، ومع ذلك من الممكن ان نبدأ من خلال وضع رؤية واضحة لتنمية هذه الصناعة الى جانب رفع ميزانية البحث العلمى.
ايضا لابد من انشاء مظلة تدريبية واحدة تتمثل فى مجلس اعلى للتدريب ليهيمن على كل جوانب عمليات التدريب فى الدولة و يجمعها فى خطة موحدة وهو امر يمكن تحقيقه, ايضا يجب تعديل طريقة وضع المناهج الدراسية فهى مهمة قاصرة على وزارة التربية والتعليم فى حين ان الدول التى حققت طفرات اقتصادية تشرك القطاع الخاص والعديد من مؤسسات المجتمع المدنى فى عملية وضع المناهج الدراسية، وعلى سبيل المثال جنوب افريقيا بفضل تبنيها هذا النظام فرضت مواد عن السياحة فى كل مراحل التعليم والآن اصبحت من اكثر دول افريقيا جذبا للسياحة.

جميع الحقوق محفوظة @2024 UHRDA